سورة الحاقة - تفسير تفسير ابن جزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحاقة)


        


{الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ (3) كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ (4) فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (5) وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7) فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ (8)}
{الحاقة} هي القيامة ووزنها فاعلة وسميت الحاقة لأنها تحق، أي يصح وجودها، ولا ريب في وقوعها ولأنها حقت لكل أحد جزاء عمله، أو لأنها تبدئ حقائق الأمور {مَا الحآقة} ما استفهامية يراد بها التعظيم، وهي مبتدأ وخبرها ما بعده والجملة خبر الحاقة، وكان الأصل الحاقة ما هي، ثم وضع الظاهر موضع المضمر زيادة في التعظيم والتهويل، وكذلك، {وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الحاقة} لفظه استفهام والمراد به التعظيم والتهويل {بالقارعة} هي القيامة سميت بذلك؛ لأنها تقرع القلوب بأهوالها {بالطاغية} يعني الصيحة التي أخذت ثمود، وسميت بذلك لأنها جاوزت الحدّ في الشدة، وقيل: الطاغية مصدر فكأنه قال: أهلكوا بطغيانهم، فهو كقوله: كذبت ثمود بطغواها، وقيل: هي صفة لمحذوف تقديره أهلكوا بسبب الفعلة الطاغية، أو الفئة الطاغية والباء، على هذين القولين سببية، وعلى القول الأول كقولك: قتلت زيداً بالسيف {بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ} ذكر في [فصلت: 16]، وعاتية أي شديدة. وسميت بذلك لأنها عتت على عاد، وقيل: عتت على خزانها، فخرجت بغير إذنهم {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ} رُوي أنا بدت صبيحة يوم الأربعاء لثمان بقيت من شوال، وتمادت بهم إلى آخر يوم الأربعاء تكلمة الشهر {حُسُوماً} قال ابن عباس: معناه كاملة متتابعة لم يتخللها غير ذلك، وقيل: معناه شؤماً، وقيل: هو جمع حاسم من الحسم. وهو القطع أي قطعتهم بالإهلاك، فحسوماً على القول الأول والثاني مصدر في موضع الحال، وعلى الثالث حال أو مفعول من أجله {فَتَرَى القوم فِيهَا صرعى} جمع صريع وهو المطروح، والضمير المجرور يعود على منازلهم، لأن المعنى يقتضيها وإن لم يتقدم ذكرها، أو على الأيام والليالي، أو على الريح {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} تقدم في القمر معنى تشبيههم بأعجاز النخل، والخاوية هي التي خلت من طول بلائها وفسادها {مِّن بَاقِيَةٍ} أي من بقية، وقيل: من فئة باقية وقيل: إنه مصدر بمعنى البقاء.


{وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ (9) فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً (10) إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ (11)}
{وَمَن قَبْلَهُ} يريد من تقدم قبله من الأمم الكافرة، وأقربهم إليه قوم شعيب، والظاهر أنهم المراد لأن عاداً وثمود قد ذكرا، وقوم لوط هم المؤتفكات، وقوم نوح قد أشير إليهم في قوله: {لَمَّا طَغَا المآء حَمَلْنَاكُمْ فِي الجارية}، وقرأ بكسر القاف وفتح الباء ومعناه: جنده وأبتاعه {بِالْخَاطِئَةِ} إما أن يكون مصدراً بمعنى الخطيئة أو صفة لمحذوف تقديره: بالفعلة الخاطئة {فَعَصَوْاْ رَسُولَ رَبِّهِمْ} إن عاد الضمير على فرعون وقومه، فالرسول موسى عليه السلام، وإن عاد على المؤتفكات: فالرسول لوط عليه السلام، وإن عاد على الجميع: فالرسول اسم جنس أو بمعنى الرسالة {رَّابِيَةً} أي عظيمة وهي من قولك: ربا الشيء إذا كثر {طَغَا المآء} عبارة عن كثرته، فيحتمل أن يريد أنه طغى على أهل الأرض، أو على خزانه يعني وقت طوفان نوح عليه السلام {حَمَلْنَاكُمْ فِي الجارية} هي السفينة، فإن أراد سفينة نوح فمعنى {حَمَلْنَاكُمْ} حملنا آباءكم لأن كل من على الأرض من ذرية نوح وأولاده الثلاثة الذين كانوا معه في السفينة، وإن أراد جنس السفن فالخطاب على حقيقته.


{لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ (12) فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (13) وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (14)}
{لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً} الضمير للفعلة وهي الحمل في السفينة وقيل: للسفينة، فإن أراد جنس السفن: فالمعنى أنها تذكرة بقدرة الله ونعمته لمن ركب أو سمع بها، وإن إراد سفينة نوح فقد قيل: إن الله أبقاها حتى رأى بعض عيدانها أو هذه الأمة {وَتَعِيَهَآ أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} الضمير يعود على ما عاد عليه ضمير: لنجعلها، وهذا يقوي أن يكون للفعلة، والأذن الواعية: هي التي تفهم ما تسمع وتحفظه، يقال: وعيت العلم إذا حصلته، ولذلك عبّر بعضهم عنها بأنها التي عقلت عن الله، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي بن أبي طالب: إني دعوت الله أن يجعلها أذنك يا عليّ، قال عليّ: فما نسيت بعد ذلك شيئاً سمعته، قال الزمخشري: إنما قال: أذن واعية، بالتوحيد والتنكير، للدلالة على قلة الوعاة ولتوبيخ الناس بقلة من يعي منهم، وللدلالة على أن الأذن الواحدة إذا عقلت عن الله تعالى فهي المعتبرة عند الله دون غيرها {نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ} يعني نفخة الصور وهي الأولى {فَدُكَّتَا} الضمير للأرض والجبال، ومعنى دكتا بعضها ببعض حتى تندق، وقال الزمخشري: الدك أبلغ من الدق، وقيل؛ معناه بسطت حتى تستوي الأرض والجبال.

1 | 2 | 3